1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

السعودية الخضراء.. تحول اقتصادي لحماية البيئة أم مجرد دعاية؟

٤ نوفمبر ٢٠٢١

أعلنت السعودية عن استراتيجية تحول شاملة نحو اقتصاد أخضر وبلوغ الحياد الكربوني بحلول عام 2060. بيد أن الأمر أثار تساؤلات حيال الدوافع الحقيقية لرؤية "صفر انبعاثات" في هذا البلد الغني الذي يعد أكبر مصدر للنفط في العالم!

https://p.dw.com/p/42Xzv
منطقة حمة الثقافية في السعودية من التراث العالمي
تسعى السعودية إلى تنويع اقتصادها والتوجه إلى الطاقة النظيفة لمواكبة التطور العالمي واستعداد لتراجع أهمية النفط مستقبلا صورة من: Saudi Arabia's Ministry of Culture/Xinhua/picture alliance

لم يمثل الصيف الشديد الحرارة في السعودية في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول، عبئا على داليا سمرة روث،مندوبة الصناعة الألمانية في السعودية، وديتر لامليه، سفير ألمانيا في المملكة، لزرع شجرة في "حديقة بوديكر" في الرياض. وقام الاثنان بزرع شجيرة "تاج الشوك" صغيرة، التي لن تكون الوحيدة. إذ تخطط السعودية لزراعة 7,5 مليون شجرة أخرى في الرياض وأكثر من 450 مليون شجرة في مناطق أخرى من البلاد. ما يوحي بأن السعودية البلد الصحراوي ذو المناخ الشديد الحرارة في طريقها لأن يصبح واحة خضراء.

ياتي ذلك بالتماشي مع إعلان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أواخر أكتوبر/ تشرين الأول، ان المملكة التي تعد أكبر مصدر للنفط في العالم، تهدف إلى بلوغ الحياد الكربوني بحلول عام 2060. ولم يتوقف الأمر عند هذا التصريح، إذ تعهد بأن السعودية ستستثمر مليارات الدولارات لتنفيذ مبادرة "السعودية الخضراء".

وقبلقمة المناخ في مدينة غلاسكو الاسكتلندية التي تُعرف اختصارا بـ "COP26"، نظمت السعودية مؤتمرا إقليميا للبيئة تحت اسم "مبادرة الشرق الأوسط الأخضر" بالتزامن مع إعلان محمد بن سلمان بلوغ بلاده "الحياد الكربوني" بحلول عام 2060 كحجر أساس لـ "مبادرة السعودية الخضراء".

ويأتي ذلك مع تعزيز المملكة جهودها لتحقيق "الاقتصاد الدائري للكربون" الذي يرمي إلى إعادة دورة الكربون الطبيعية، ما يشمل إزالة 200 مليون طن من انبعاثات الكربون من الغلاف الجوي من خلال تطبيق أربعة عناصر  تتمثل في "التقليل وإعادة الاستخدام وإعادة التدوير والإزالة".

الهدف ليس مواجهة التغير المناخي فقط

 ويشكك خبراء البيئة في مآلات التغيير المفاجئ في السعودية، فيما يعتقد البعض بأن الرياض ملتزمة فعلا بتحقيق المسار الجديد المحافظ على البيئة، وإن كانوا يشككون في الدوافع. ففي تعليقه، قال توبياس زومبرايغل، أحد الخبراء البارزين في مركز الأبحاث التطبيقية في مدينة بون الألمانية، "إن كل الأنباء الواردة من السعودية خاصة في الآونة الأخيرة لا يمكن تعميمها في نطاق الغسل الأخضر، لم نصل إلى هذا المستوى لأن الأمر ينطوي على عملية تحول شاملة".

ورغم ذلك، فمن المؤكد أن الرغبة في إنقاذ الأرض ليست الهدف الوحيد من هذا التحول الذي تخطط له المملكة، نظرا إلى تقلب أسعار النفط وزيادة الضغط الدولي لسرعة الوصول إلى الحياد الكربوني وفقا لاتفاقية باريس للمناخ لعام 2015.

وفي مقابلة مع DW، شدد زومبرايغل على أن "أجندة الاستدامة في السعودية لا صلة لها بحماية البيئة أو النهوض بالجهود الرامية إلى حماية المناخ، وإنما منطلق ذلك هو تحقيق مناورة سياسية ومصالح اقتصادية".

وليس زومبرايغل هو الوحيد الذي يلقي يشكك بأهداف ما أعلنته السعودية مؤخرا خاصة ما يتعلق بالحياد الكربوني. فقد كتبت كارين يونغ، مديرة برنامج الاقتصاد والطاقة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، إن بلوغ "صفر انبعاثات ليس الهدف وراء ذلك".

أما بعض الخبراء ومنهم كريم الجندي، الباحث في مركز تشاتام هاوس البريطاني للأبحاث، فلديهم بعض التحفظات حيال مستوى الوثوق بالمبادرة الخضراء التي أعلنتها السعودية. ففي مقال رأي نشره على موقع قناة الجزيرة باللغة الإنجليزية، أكد الجندي، مؤسس المبادرة التي ترمي إلى تعزيز الاستدامة في مدن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على أن وفاء السعودية "بالتزامات المناخ سيكون مشروطا بقدرتها على الحفاظ على صادراتها من الوقود الأحفوري".

وكان وزير الطاقة السعودية الأمير عبد العزيز بن سلمان، شقيق ولي العهد، قد أكد على موقف السعودية خلال منتدى "المبادرة السعودية الخضراء" في الرياض إذ شدد على أن "النمو الاقتصادي للمملكة تحركه صادرات في مجال الطاقة. وهذا ليس سرا من أسرار الدولة".

جدير بالذكر أن شركة أرامكو، عملاق النفط السعودي والتي تعد أكبر شركة نفط في العالم، قد احتلت المركز الأول بين أكبر شركات العالم ربحية خلال الربع الثالث من العام الجاري بأرباح قيمتها 30,4 مليار دولار، لتتفوق على كبرى الشركات العالمية مثل غوغل وأمازون وحتى شركات النفط الأخرى مثل إكسون موبيل ورويال داتش شل.

سمر داليا روت والسفير الالماني في السعودية ديتر لاملي يشاركان في حملة تشجير السعودية
حملة تشجير واسة في السعودية تشمل زرع 460 مليون شجرةصورة من: AHK Saudi Arabien

التنافس على الطاقة النظيفة!

ورغم ذلك، فإن هذه المبادرة ليست الوحيدة التي تعلنها السعودية، البالغ تعداد سكانها قرابة 35 مليون نسمة، في إطار ضخ الاستثمارات لتنويع مصادر الطاقة ومجال الاستدامة البيئية. إذ شهدت حقبة العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز تدشين مبادرات مماثلة.

ففي عام 2010، شدد الملك عبد الله على أن نمط الحياة الاستهلاكي في السعودية لن يستمر إلى الأبد، ولم يجد حرجا في القول بأنه حتى السعودية التي تعد أكبر مصدر للنفط في العالم سيتعين عليها في نهاية المطاف استيراد النفط أو الغاز لتلبية احتياجات تعداد سكانها الآخذ في التزايد.

من جانبه، يشير زومبرايغل في مقابلة مع DW إلى أنه في ذاك التوقيت كانت هناك عوامل وظروف سياسية مختلفة عن الراهنة، ويضيف بأنه "في ذاك الحين، كانت هناك تكتلات سياسية مختلفة داخل العائلة الحاكمة خاصة بين الأصوات المتشددة التي لا تؤمن بمسألة التغير المناخي من أساسها". وعلى إثر ذلك، لم تجد مبادرة الملك عبد الله المجال لتطبيقها على أرض الواقع حتى وفاته عام 2015.

بيد أن زومبرايغل يرى أن المعطيات الحالية تختلف عما كان عليه الوضع في عهد الملك الراحل، إذ أن هناك ترابطا جليا وهرميا بين الشخصيات النافذة والمركزية داخل أسرة "آل سعود" الحاكمة لدعم الرؤية الجديدة. ويقول "لقد وصل الأمر إلى أن أصبحت قضية الاستدامة مسألة تخص العائلة المالكة" خاصة مع حضور الأمير محمد بن سلمان قمة المناخ ودخوله سباق الحياد الكربوني سعيا لتعزيز النفوذ الإقليمي لبلاده في ظل التنافس الإقليمي وخاصة بين السعودية والإمارات في مجال الطاقة النظيفة في الشرق الأوسط.

ألواح للطاقة الشمسية في السعودية بمدينة نيوم السياحية
التنافس مع الجيران وخاصة الإمارات من دوافع مساعي السعودية للتوجه نحو الطاقة النظيفة والحياد الكربونيصورة من: Julien Delfosse/DPPI media/picture alliance

تصدير النفط بطريقة نظيفة!

ورغم كل ذلك، تعرضت السعودية لانتقادات خاصة من أقوى حلفائها الولايات المتحدة، في مستهل قمة المناخ في غلاسكو لجعل قضايا المناخ في صلب الاقتصاد السعودي. فخلال مؤتمر صحافي في ختام قمة "مجموعة دول العشرين" التي سبقت عقد قمة المناخ، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إنه "يتعين بذل المزيد، لكن سيتعيّن علينا مواصلة النظر إلى ما لا تفعله الصين، وما لا تفعله روسيا، وما لا تفعله السعودية". وتزامنت انتقادات بايدن مع الوثائق المسربة التي حصلت عليها منظمة "السلام الأخضر" وقامت بنشرها هيئة الإذاعة البريطانية.

فقد كشفت التسريبات عن وثيقة سعودية تطلب من الفريق الدولي التابع للأمم المتحدة المعني بتغير المناخ إزالة جملة تدعو قطاع الطاقة إلى "التحول السريع إلى مصادر خالية من الكربون والتخلص (التدريجي) من جميع أنواع الوقود الأحفوري".

ولم يصدر أي تعليق سعودي على ما جاء في هذه الوثيقة المسربة، لكن من المؤكد أنها تعتزم تنويع مصادر الطاقة بشكل أكبر مع المضي قدما في تصدير النفط. وفي هذا الصدد، يقول زومبرايغل إن "الأمر لا يحمل في طياته أي تناقضات بالنسبة للسعودية، إذ يمكنها تصدير النفط على المدى الطويل، لكن يمكنها القيام بالأمر بطريقة نظيفة" لا تضر البيئة.

ويذهب زومبرايغل إلى القول بأن السعودية ستشهد تنفيذ حزمة من المشاريع الضخمة الجديدة المتعلقة بالطاقة المتجددة خلال السنوات القليلة المقبلة لا سيما في مجال زيادة استخدام وكفاءة عملية تدوير المياه، سيما وأنها تحصل على أكثر من 70 بالمائة من مواردها المائية من محطات التحلية.

جينيفر هوليس/ م. ع